قالوا عن أوبرا 40

المختلف الروائي والسردي في (رواية أوبرا 40)

الدكتور راسل كاظم ( أستاذ مساعد في كلية الفنون الجميلة- بغداد
بكالوريوس فنون مسرحية ) ، لمجلة الحوار المتمدن بتاريخ 21 نوفمبر 2021م ، بغداد / العراق .

رواية تضم أربعون فصلاً مع فصل مضاف عمد الباحث على تسميته (الفصل المحذوف) وكأن المؤلف هنا يريد أن يصارح القارئ بأن هناك أحداثاً جرت وقد سقطت من السرد القصصي أو المدون لأبطال الرواية، مما حتم على المؤلف تدوينها لإضفاء سمة المصداقية على سيرة واقعية حفلت بالكثير من لحظات العشق والحب والوجد، حب يلتحم بالخيال الشرقي لكل ثنائيات العشق، حب جنسيته فسيفساء من ثقافات الشرق والغرب.
تسافر بنا الرواية إلى مرحلة تأسيس الدولة العراقية عام 1921 م، والسنوات التي سبقتها وتلتها ، يمكن تسميتها بالسيرة الروائية أو الوثيقة الروائية ، عشرات الأسماء ممن تقلدوا مناصب رفيعة في الدولة العراقية أو من الشيوخ أو وجهاء تلك الفترة.
يمكن عدها وثيقة تاريخية سياسية اجتماعية بأسلوب روائي أنيق. ترتكز على بطلي هذه الرواية وهما عبد الله بيك بن أحمد باشا العدل وزوجته الست عالية بنت عبد المحسن بيك العود , أحداث متلاحقة منذ أن كان عبد الله يزور عائلة العود وكانت عالية فتاة يافعة وسفر عالية للدراسة في بيروت عام 1927م إلى مرحلة وفاة الرئيس العود سنة 1929م إلى لقائهما الذي خلقته الصدفة في بغداد أثناء تعطل سيارة عالية في المطر 1930م . لتبدأ مرحلة جديدة من علاقة ستكون علاقة حب واحترام ووفاء ثم حزن ومأساة وقهر.
حاول الكاتب في هذه الرواية إبراز القيم المدنية والعصرية للدولة العراقية آنذاك عبر طبيعة العلاقة بين عبد الله وعالية، فضلاً عن عدم اغفاله للكثير من المفردات (الكلمات) الدارجة آنذاك سواء كانت محلية أم تركية عثمانية أم نجدية، وهو بهذا يضع القارئ أمام تحدي اتساق المعاني وانصهارها في بوتقة اللغة.
يزداد الشغف بمواصلة قراءة أحداث الرواية عند الوصول إلى الفصل السادس من الرواية وهو تعرف أحمد بن عبد الله العدل على إبراهيم بيه الفاتح، والذي من خلاله كُشِفت أسرار الماضي والتي بقيت لأكثر من نصف قرن مخفية، جُمِعت معظم هذه الأسرار في صندوق قديم يضم مجلداً للمذكرات كتبت بخط قديم للرئيس العود ثم أكملت عليه ابنته عالية بخطها، مع مجموعة ممتلكات شخصية لعالية ونجوة أختها الصغرى صاحبة الصندوق والدة الملياردير التركي إبراهيم بيه حفيد الأمير محمد الفاتح.
لعل أهم ما يميز الرواية كجنس أدبي هو أسلوب الوصف وطريقة الاستطراد به، فالوصف هو العين التي من خلالها يتفحص القارئ الأشياء والجزئيات البسيطة التي تعلق بالذهن، لكن المؤلف في رواية أوبرا 40 أعطى أهمية عالية للسرد الحكائي في نقل الأحداث دون أن يولي أهمية متكافئة للوصف، وربما ظن المؤلف أن الخوض في تفصيلات الوصف سواء للشخصيات أو الأمكنة سيشتت القارئ عن متابعة الحدث في الرواية، وقد أوكل موضوع الوصف الأدبي إلى الوصف الفوتوغرافي المتضمن في متن الرواية.
حيث عمد المؤلف اختزال الأزمنة ومزجها لتحقيق البعد الجمالي في السرد، مع ترك مساحة للقارئ في تخيل الشخصيات ومواكبة تطور الحدث، الذي اعتمد فيه المؤلف طريقة الكولاج السردي باقتطاعه أجزاء متناثرة من التاريخ الواقعي لبيئة الأحداث ورصفها معاً في صياغة تقنية لم نألفها سابقاً في تقنيات كتابة الرواية (تستخدم أكثر في كتابة سيناريو الأفلام والمسلسلات)، من حيث توظيف الصور الفوتوغرافية المرسومة بمهارة عالية كي تدعم البنية الحكائية للرواية فهي تجعل القارئ يربط بين ما هو سردي وما هو بصري لغرض مطابقة الوصف مع المتخيل للأشكال والأحداث معاً، كما في الصورة لبطلة الرواية (عالية) في داخل قمرة سيارتها (ص9)، كذلك في الصورة لإبراهيم بيه الفاتح (ص61)، والكثير من الصور التي وظفت داخل متن الرواية لإيجاد المعادل البصري الموضوعي لعنصر السرد داخل متن الرواية. فضلاً عن اجتهاد المؤلف بتوظيف الأغاني أو القصائد التي ألّفت آنذاك للاحتفاء بأبطال الرواية أو أحداث معينة، كما في قصيدة رثاء متصرف لواء البصرة (أحمد باشا العدل) للشاعر عبدالرحمن بن بطي، والتي مطلعها:
لما نُعيت تقطعت أكبادنا
والحرّ يؤذي موته الأحرار
هذا الأسلوب في مزج الشعر والأغنية والنثر لم يعتده قارئ الرواية، إلا أنه أسلوب جمع فيه المؤلف بين عبق التاريخ وسلاسة اللّغة, غايته إبراز الممارسة الإنسانية لشخوص الرواية وتلاقحها بين الماضي والحاضر دون تكلف وتصنع، فالحاضر هو الابن الشرعي للماضي ومهما حاول البعض طمس الحقائق أو تشويهها لكنها تبقى ماثلة دوماً بفعل واقعية حدوثها وأثرها الواضح المتمثل بالحاضر.
حاول المؤلف تحرير مفهوم العشق والحب الروائي النمطي من أسره الأدبي، والتأكيد على الجانب الإنساني فالحب من وجهة نظر المؤلف هو الترفع عن فكرة الزمان والمكان, فهو حدث حصل ويحصل وسيحصل في كل الأزمنة لكن ما يميز الحب هو كمية المشاعر التي تطوف حول المحبين والتي من خلالها يصبح العالم جميلاً رغم العنف والقسوة والضغائن.
فالإنسان وإن كان مجبولاً بفطرته على الاستحواذ أو التملك لغرض ديمومة بقائه ووجوده لكنه يكتسب الصفات الإنسانية بممارسته العملية لمحبة الآخرين ، فالأفراح والمسرات الإنسانية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال مشاركة الحب مع الآخرين.
ما يميز رواية أوبرا 40 ليس الحكاية والقصص فحسب التي تضمها الرواية التقليدية إنما مجموعة الأحداث التاريخية الدقيقة المشفوعة بتأثيث سردي ينقل القارئ إلى منطقة المشاركة الوجدانية مع أبطال الرواية وتلمس معاناتهم ومشاركتهم أفراحهم, وهو بحسب مفهوم التطهير يُمكّن القارئ من التخلص من أدرانه والنظر نحو الحياة بطريقة جديدة, أشبه ما تكون ببوح (المؤمن المسيحي لأسراره أمام القس في غرفة الاعتراف)، حيث يخرج القارئ من الرواية بعد إتمامها بفهم جديد للحياة، كما هي الراحة النفسية للمؤمن المسيحي بعد مغادرة الكنيسة.
عنوان الرواية (أوبرا 40) الجزء الأول بما معناه أن هناك جزء ثاني وربما ثالث لإكمال فصول الرواية وأحداثها, فماذا ستكون عليه القيمة الفنية والأدبية لمجمل أجزاء الرواية بعد إتمامها !؟ هذا ما سيحدده القارئ بعد قراءة أحداث الجزء الأول وترقب إصدار الجزء الثاني مستقبلاً.

رواية (أوبرا 40) الجزء الأول, للكاتب الدكتور أحمد بن عبد الله الصانع, صدرت عن الدار العربية للعلوم ناشرون في بيروت عام 2021 ,عدد الصفحات مع ملحق الأغاني والأوبريتات والصور 583 صفحة.

زر الذهاب إلى الأعلى
Open chat
كيف اخدمك
للاستفسار عن أوبرا 40