أوبرا40

“أوبرا 40” لأحمد الصانع… والتجديد في مفهوم الرواية التاريخية

مزيج متفاعل من السرد والموسيقى والرومانسية والتاريخ

تتلمس رواية “أوبرا 40” للكاتب السعودي الدكتور أحمد الصانع، المتعة الذهنية والحسية معاً، من خلال ما تتضمنه من سرد وموسيقى في آن واحد.

فالعمل رغم ميله إلى الولوج في (تفاصيل التفاصيل)، والوصف الزماني والمكاني، الذي لم يفوّت فرصة، إلا وأبرزها، ورغم اتساع أفقه، وتعريته الواقع، وعزفه بشدة على الأوتار العارية، إلا أن ثمة استشرافات، لولادة عمل روائي جديد لم يكن مطروقاً، ومحاولة التجديد في مفهوم الرواية التاريخية، حيث إن المؤلف لدية طاقة سردية متميزة، وفي الوقت نفسه لديه موهبة موسيقية، إلى جانب شغفه بالتاريخ، وكل هذه المقومات أسهمت في وضعه لرواية تحمل في متنها الموسيقى المحسوسة والملوسة أيضاً، إضافة إلى السرد والرومانسية.

لنقرأ حبكة روائية، تتماهى فيها الكثير من التوليفات العاطفية والإنسانية والتاريخية، التي تكسر التابو، تزامناً مع ما تمرّ به المملكة العربية السعودية الآن من انفتاح ورغبة في الدخول بعمق، إلى حياة منسجمة مع العصر الذي نحن بصدده.

فقراءة (أوبرا 40)، من جميع اتجاهاتها، سواء المطبوعة في كتاب، أو تلك الألحان التي استخلص إيقاعاتها المؤلف من تواتر الأحداث، وحتى الأعمال التشكيلية المستوحاة من الرواية، أو السرد الدقيق، لمفاهيم تتعلق بالتراث والتاريخ، والأحداث السياسية، وصولاً إلى الشغف بوصف حالات طبّية، ثم الأجواء الرومانسية، التي جاءت في سياقات رمزية، وبإسقاطات إنسانية عدة… كل تلك الاستلهامات، ستجعلنا أكثر حيرة، في تصنيف العمل، لأنه مزيج متفاعل من السرد والموسيقى والرومانسية والتاريخ، والخيال والواقع.

إننا أمام رواية تتجول بأريحية بين أزمنة موغلة في القدم، لتنقلنا بشكل خاطف وسريع  إلى الزمن الذي نحن بصدده، والانتقال بنا عبر السرد الوصفي إلى أماكن متغيّرة، لا تشابه فيها، للالتقاء بشخصيات بعضها صادم في تواتر الأحداث، والبعض الآخر، موتور بفعل ما يتعرض له من آلام وأفراح.

فتبدأ الرواية بالعصر الملكي في العراق، لتلتقي عالية الحجازية مع عبدالله بأصوله النجدية، وتنتهي الأحداث في العصر الحديث بشخصية الدكتورة الفاتنة ياسمين، في تركيا، ثم تكتشف من خلال الراوي الحاضر، أن عالية هي أخت جدتها.

هذا التكنيك، استحدث فيه الصانع الموسيقى، التي لازمت العمل من بدايته إلى نهايته، مما أضفى عليه صفة التجديد، والإتيان بروح مختلفة، عما هو سائد.

فالأحداث متلاحقة، تأخذ القارئ في رحلة شيقة، إلى الماضي والحاضر، بل إلى المستقبل أيضاً… وتضعه مباشرة، بين الواقع والخيال، وتكشف المسكوت عنه، وتتناغم مع المباح.

وفي سياق اهتمام الصانع بشخوص روايته، فإنه راعي في هذا الصدد التنوّع، فنجد مثلاً عالية (السنية) وفاطمة (الشيعية) ومريام (المسيحية) ورينيه (اليهودية) ابنة أخو وزير المالية ساسون حسقيل، يقمن بإنشاء حركة طلابية عام 1928م في الجامعة الأميركية في بيروت للمطالبة بحق المرأة العراقية في التحرر وتقرير مصيرها، بعيداً عن هيمنة الرجال.

إن الرواية تضم 130 عملاً فنيّاً و25 عملاً موسيقيّاً تتنوع بين الأوبرا والعرضة النجدية والسامري والمصري الفلاحي اللاتيني، قام الكاتب بتلحينها وإنتاجها.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى
Open chat
كيف اخدمك
للاستفسار عن أوبرا 40